استغرب كل الاهتمام والحشد لقضية فتاة عصر التي لم يستطع احد تحديد من هي وكم عمرها وهل القصة المطروحة في البدء حقيقة ام لا ؟؟
انا لااقلل من الموضوع ولكن استغرب الاهتمام الكبير لققضية لم تكتمل معلوماتها في حين اثيرت قضية اختفاء طفلة بير عبيد ليلة زفافها في ظروف غامضة وبالرغم من نزول قضيتها في عدد من الصحف وقناة السعيدة الا ان اي من منظمات المجتمع المدني لم تحرك ساكنا والفتاة ماتزال حتى اليوم مختفية بالرغم من قضيتها الواضحة واسرتها معروفة في الحي وهناك قضية موجودة في المحكمة والنيابة ولكن هناك تقاعس كبير في كشف من يقف وراء اختطافها وهذه القضية تشير الى اختفاء عدد كبير من الاطفال في ظروف غامضة في ظل صمت اعلامي ومجتمعي وحكومي مخزي
تقرير: بشرى العامري
واليكم قصتها قبل سبعة اشهر تقريبا والصورة المرفقة هي لعائلتها :
أب مكلوم يبحث عنها ... وزوج كان نائم مع أخوته لا يعرف أين ذهبت
كانت هذه هي بداية المعلومات التي حصلتُ عليها , لأبدأ البحث عن قصة تفاصيلها اغرب من الخيال , وكلما حاولت فك رموزها كانت أكثر غرابة ودهشة .
بداية القصة
تهاني يحي البنوس طفلة بالكاد تجاوزت عامها الثالث عشر , حرمت من التعليم وهي في الصف الرابع الابتدائي , ونتيجة لخلافات أسرية شديدة بين أهلها وأهل والدها غادرت مع أسرتها من قريتها بمنطقة معبر ليعيشوا في العاصمة صنعاء .
بحث والدها كثيرا عن عمل لكنه مع إمكانياته المتواضعة جدا وعدم تعلمه أو إتقانه أي حرفة لم يستطع أن يجد أي عمل يكفل له ولأسرته المكونة من خمسة أطفال ووالدتهم الأمية أيضا عيشا ملائما , فما كان من حل أمامه سوى أن يذهب كل صباح إلى مزارع منطقة معبر ويشتري منها البطاط ويقوم ببيعه في الطريق العام للمسافرين أو يقوم بأي عمل أخر في تلك المزارع كما كان يفعل سابقا قبل مغادرتهم القرية .
أما تهاني فلم يكن من حقها كأي طفلة أن تلعب أو تذهب إلى المدرسة أو تشاهد حلقات الأطفال على التلفاز كبقية الأطفال في مثل سنها , حيث كان من الواجب عليها أن تقوم منذ الصباح الباكر بدفع عربية أمامها والذهاب إلى مشروع خيري للمياه في منطقة بيت معياد التي تبعد عشرات الأمتار عن الدكان الذي يستأجره والدها لسكن أسرته , كانت تحمل في عربيتها عدد كبير من ( دبيب ) الماء سعة عشرين لترا , تملائها كلها بالماء وتدفعها لعشرات الأمتار أيضا لتعود بها إلى الدكان وتظل تكرر طوال يومها هذه الرحلة لتأمين توفير المياه لاستخدام أسرتها اليومي كما تقوم بمساعدة والدتها في رعاية أخوتها الصغار في وقت فراغها .
ولم تدرك تهاني أن اخو جارهم الجديد كان يرقبها عن كثب في رحلتها مجيئا وذهابا كانت تهاني تحلم بالحياة في بيت حقيقي ... ملبس جميل واكل جيد وألعاب وفسح في الحدائق التي تسمع عنها من صديقاتها في الحي ..
حتى جاء ذلك اليوم الذي اخبرها والدها بان اخو جارهم تقدم إليه طالبا الزواج منها , كانت تراه تهاني حينما يزور أخاه بين الحين والأخر واعتقدت أنها معه سوف تحقق كل أمنياتها وسترتاح على الأقل من حمل الماء , ودفع العربية صباحا ومساء ..
فوافقت على الفور .
تفاصيل ما قبل الحادثة
عندما ابلغ الأب العريس صالح وجاره محمد بموافقته على تزويجه ابنته , اخبره العريس عن نيته في استئجار شقة مناسبة لأهل العروس ليقيموا فيها مراسيم العرس بشكل لائق أمام الناس كون الدكان الذي يسكنون فيه غير لائق لذلك ..
وفي نفس الوقت قام أخوه محمد بالانتقال من الدكان المجاور لدكان والد تهاني تدريجيا إلى مكان أخر لم يعرفه احد خصوصا بعد أن تشاجر مع زوجته وقام بضربها وذهبت للعيش في منزل أسرتها .
اخبر صالح والد العروس انه استأجر الشقة في شارع 45 المتقاطع مع شارع تعز لمدة شهر كامل مع دفعه مقدما لفواتير الماء والكهرباء وتم انتقال الأسرة فعلا إلى السكن الجديد , فكانت تهاني مسرورة جدا لهذا التغير الذي طرا في حياتها , وشعرت فعلا أن الحياة بدأت تبتسم لها , خصوصا وأنها وجدت في سكنهم الجديد حنفيات مليئة بالمياه وأصبحت غير مسئولة عن توفيرها مرة أخرى .
دفع صالح لوالدها مائتي ألف ريال نقدا كمهر لها واشترى لها ملابس جديدة ووحلي ذهبية بسيطة مع دبلة وساعة وطلب من والد العروس الاستعداد للعرس بعد أسبوع وانه متكفل لكل خسائر العرس .
سعد الأب والأم بهذا العريس الذي سينتشل الأسرة من فقرها المدقع وانه سيرعى ابنتهم ويحافظ عليها خصوصا مع ما يسمعونه من تعلقه الشديد بها ورفضه لإتمام زواجه بابنة خاله التي خطبها منذ عامين حسب رغبة أهله .
وبدأت مراسيم الاستعداد للعرس .
ليلة اختفاء العروس
في صباح يوم العرس كانت الأم تعد مع ابنتها الكبيرة المتزوجة وعدد من نساء الجيران وجبة الغداء للضيوف من أهل العريس وأهلهم القادمين من القرية , وكانت العروس تلعب مع ابنة أختها الرضيعة , ومن ثم تشاجرت مع أختها الصغيرة بعد أن أخذت من يدها بعضا من الحلوى التي كانت تأكلها .
قالت إحدى النساء ( العروس ما زالت طفلة صغيرة تلعب مع الصغار ولا تفهم ما معنى زواجه .. حرام عليكم تظلموها ) لكن الأم أردفت قائلة ( خليها تستتر ... البنت مالها إلا الزواجة كبرت وإلا صغرت ومادام قد بلغت قديه مالها شي .. الله يفتح عليها ... وبكرة تتعلم كل شي مثل ما تعلمنا إحنا تزوجنا وإحنا صغار ما وقع بنا )
وكعادة عدد من الأرياف اليمنية قامت سيدة عجوز من الجيران مشهود لها بالصدق والحكمة مع عمة العروس بمعاينة العروس والتأكد من أنها فعلا ( بكر ) ليطمئن والدها قبل ذهابها إلى منزل زوجها ولتكون شاهدا على طهارة ابنتهم إذا ما حدث أي اتهام من أهل الزوج كما جرت عليه بعض الأعراف القبلية اليمنية في مثل هذه المناسبات بعدها تم نقل العروس إلى الكوافير التي قامت بتزيينها ومن ثم انتقلت العروس إلى صالة أقيم فيها حفل الزفاف الذي حضرته نساء كثر من الأهل والأصدقاء والجيران وحضرت إحدى أخوات العريس ووالدته وأعلنّ على الملاء إنهن يرفضن هذه العروس وان العريس وضعهم في موقف محرج جدا مع خاله وابنته ...وظللن يندبن حظ أخيهن العاثر بهذه العروس لكل من جلست بجوارهن .
وفي الليل قام الأب والأم مع بعض الأهل بنقل العروس إلى شقة استأجرها الزوج لتكون عش الزوجية لهما الاثنان فقط .
تقول الأم وهي تذرف الدموع }كان أخر مشهد رأيته لها وأنا أجلسها بجانب زوجها على كرسي وقد ضعت كيكة عرس على طاولة أمامهما , وهي سعيدة تضحك والتاج على رأسها وأنا أوصيها بان تكون عاقلة وبنت ناس وهمست بأذنها ( اوبهي كوني عاقلة ولا تخزيناش بين الناس ) { فهزت رأسها وهي سعيدة وقبلت والديها قبل أن يودعاها ويغادرا المكان .
وفي الصباح طلبت الأم من زوجها أن يذهب إلى ابنتهما وان يحمل لها كيسا من الحلوى ليسلم عليها كما جرت العادة والتقاليد على زيارة الأهل لابنتهما للاطمئنان عليها في صباحيتها ...
ذهب الأب وطرق الباب وبالكاد فُتح له ليظهر العريس وهو شبه نائم سأل عن ابنته في استحياء فاخبره العريس أنها غير موجودة وأنها غادرت المنزل في الفجر واعتقد أنها ذهبت إلى أهلها .. صُعق الأب من هول الخبر ولم يصدقه فدفعه إلى داخل الشقة وكرر السؤال على العريس فأعاد الإجابة بأنه فعلا لا يعرف أين ذهبت وانه استيقظ ولم يجدها فدخل الأب إلى الشقة مناديا لابنته وفتش في أرجائها ليفاجأ بان اثنين من أخوة العريس كانا أيضا معه في المنزل وان احدهما كان مرتديا لملابس النوم ,
وحينما تأكد من اختفاء ابنته اخبرهما انه سيعود ليبحث عنها في المنزل ... وعاد على الفور إلى منزله ليخبر زوجته بما حدث ... وهو يصرخ ويندب حظه العاثر ..ثم انطلق مسرعا إلى قسم 45 ليبلغ عن حادثة اختفاء ابنته .
اختفاء العروس والأدلة أيضا
أسرع رجال القسم مع الأب للتأكد من الحادثة فوجدوا الأخوة الثلاثة مازالوا متواجدين في المنزل , سارع رجال الأمن بالقبض عليهم , وطلب احدهم أن يغير ثياب النوم فسمحوا له بالدخول إلى غرفة يغير فيها ثيابه ولكنه فر على الفور من شباك تلك الغرفة , وفي القسم تم التحقيق مع الجميع وأنكر الكل معرفتهم بمكان العروس واتهم العريس والد العروس بإخفائها , وتبادل الجميع الاتهامات .. استجوب القسم جميع الأطراف لكن دون أن يصل إلى أي نتيجة وتم تحويلهم الى النيابة ومن ثم إلى البحث لكن رجال الأمن لم يعثروا على أي دليل يؤكد اختفائها او اختطافها او تعرضها لأي مكروه , فالجيران لم يلحظوها حينما خرجت ولم يسمع احد من الشقة صوتا غريبا او صراخا وفي المنزل لم يجدوا أي اثر يدل على وقوع عمل عنف , ولم يكن بيدي رجال المباحث سوى اتهامات كل طرف للأخر دون أي دليل واضح لذلك الاتهام , مما اضطر البحث الجنائي الذي اتهم أطراف القضية بعدم التعاون مع البحث في التحري عن المكان الذي قد تكون موجودة فيه الى اطلاق سراح الجميع بموجب ضمان تجاري وتوقيعهم على التزام بالتعاون في البحث عنها او الادلاء بأي معلومة تفيد عن مكان تواجدها فيه .
واستغرب ضابط في البحث قيام الطرفين بتوكيل محاميين بسرعة قبل اتخاذ أي خطوات قبلية أو عرفية وعدم تدخل قبائل الطرفين في القضية بالرغم من حساسيتها .
احتمالات بين الواقع والخيال
طرحت في هذه القضية احتمالات كثيرة بعضها كان مقبولا لدى البحث والبعض تجاوز حد الخيال ...
فهناك من فسر الاختفاء بوجود عصابة لخطف الفتيات الصغار وخصوصا من بنات الأسر شديدة الفقر , والتي قامت عبر بعض أفرادها بعمل مسرحية الزواج تلك ومن ثم إخفائها والاتجار بها عبر شبكات الدعارة أو تهريبها للسعودية أو الاتجار بأعضائها البشرية .
وهناك من اتهم خال العريس بخطفه العروس من عريسها ليلة الزفاف بسبب تفضيلها على ابنته الذي خطبها لعامين ثم تركها فجأة .. عازيين ذلك الاحتمال بأنه يطالب العريس بمبالغ مالية بسبب ذلك .
وهناك من اتهم والد العروس نفسه بإخفائها في قريته أو لدى احد أقربائه أو أقرباء زوجته لمطالبة العريس بمبالغ مالية لم يدفعها بقيت من المهر المطلوب ..
وهناك من ذهب لاتهام العروس ذاتها بالهرب إما لأنها تعرضت لصدمة نفسية شديدة بعد دخول زوجها عليها أو لأسباب أخرى
الأهل والجيران في لقاءات متعددة من الصحيفة شهدوا بأخلاق أهل العروس وضعف حالهم وأنهم لم يجدوا منهم أي إشكالية خلال الأربعة سنوات التي مكثوا فيها في الحارة وفي العامين الذي سكن فيها محمد اخو العريس لم يكن يعرف عنه احد أي شيء سوى خلافاته مع زوجته والتي كان أخرها في رمضان عندما قام بضربها وذهبت اثر ذلك إلى منزل أهلها ...
المتهم الأول في القضية
مر أكثر من شهر حتى اليوم منذ اختفاء تهاني في تلك الظروف الغامضة ودون ظهور أدنى بصيص أمل لمكانها . فيما تظل كل الاحتمالات رهينة أفكار لم يثبت صحتها من عدمها شيء ..
ولكن الحقيقة الوحيدة في هذه القضية أن تهاني كانت ضحية ثلاثة أشياء ساعدت كثيرا في اختفائها هي الزواج المبكر بالدرجة الأولى والجهل والفقر وقد تكون تلك عوامل أساسيا أيضا في ضياعها إلى الأبد لا قدر الله .
فلو كانت تهاني في سن ملائم للزواج كانت ستمتلك من الحرص على نفسها أو تصريف أمرها وستكون أكثر إدراكا لما قد يحدث لها , كذلك لو كانت متعلمة فكانت ستستطيع التصرف بشكل أكثر وعيا في إنقاذ نفسها مما قد تكون وقعت فيه ..
ولكنها على صغر سنها وعدم تعليمها فإنها ستكون سهلة الأسر والاختطاف وستكون قليلة الحيلة والفهم فيما تواجهه أو تستطيع فعله لنفسها أولا وأخيرا ..
وما يؤكد طرحنا ذلك هو تأكيد احد رجال المباحث الذي اعتذر عن ذكر اسمه لوجود مئات القضايا التي تصل إليهم عن اختفاء أو هروب فتيات صغيرات السن تم تزويجهن إما بالإكراه أو بالتضليل كانت كلها ترتكز على عاملين أساسيين ساهما في ضياع تلك الفتيات هما حرمانهن من التعليم والزواج المبكر .