في العام 1990م كانت إحدى الطائرات تعيده إلى وطنه وفي رأسه حلم قديم أصبح
يراه أقرب أن يلقي محاضرات على طلاب كلية الطب بصورة يومية وأن يشعر
بتطورهم في تلقي المعلومات الجديدة.
عاد ناصر زاوية وهو يتذكر كل تفاصيل الحياة في بلاد غادرها منذ سنوات طوال
قضاها في الولايات المتحدة الأمريكية متنقلاً بين الجامعات التي نال منها
درجة الدكتوراه في علم جينات المخ ولم يبق كثيراً في إجازة فأخذ أوراقه
متجهاً صوب جامعة صنعاء باعتبارها الأهم من حيث عدد الطلاب وتخصصاتهم وكان
متحمساً وهو ينظر إلى كلية الطب في مبناها الحديث لكن الحماس بدأ يخفت
تدريجياً فالمنهج المتبع تدريسه لم يعد محل اهتمام الجامعات العالمية وأصبح
قديماً والطلاب يريدون تعلماً لكنهم لا يحصلون عليه مكتملاً هيئة التدريس
لا تضم كثيراً من التخصصات الحديثة – ومع ذلك أراد ناصر زاوية تجاهل
المخاطر التي تواجه الطب في وطنه الأم حتى هو عجزت الجامعة عن استيعابه في
هيئة التدريس وسمح له فقط أن يكون متطوعاً في كلية الطب على أن تأتي درجة
وظيفية لا أحد يعرف متى تحين ولا إلى أين تتجه، وبالفعل مر عام ونصف العام
والدكتور ناصر زاوية واقع تحت الانتظار.
بدأت أشعر أنني بحاجة إلى معلومات جديدة لأن ما عندي أصبح أقل أهمية.
ذات صباح استيقظ طلاب كلية الطب على خبر رحيل أستاذهم الذي يحضر دوماً إلى
القاعة أولاً ولا يغلق الباب بل يتركه مفتوحاً أمام من يريد الدخول أو حتى
الخروج ولم يكن أحد يختار الخروج من واحدة من أهم المحاضرات في علم
الجينات.
تم الترحيب بزاوية في الولايات المتحدة ليس كما جاء أول مرة طالباً بل
أستاذاً في جامعة رود إيلاند الحكومية واعتبر منذ اليوم الأول ضمن هيئة
التدريس وخصص له مختبر في الجامعة لإدارة أبحاثه الجديدة التي تم نشرها في
أشهر مجلة علمية محكمة (since) وكان لذلك أثر كبير في حياته, بلاده عجزت عن
توفير درجة يعيش منها والولايات المتحدة الأمريكية تفتح له كل يوم مفاجأة
وحلماً ومع كل هذا لم ينس موطنه الأول أسس مع نخبة من علماء اليمن في
أمريكا جمعية تختص بدعم التعليم في أوساط الجالية اليمنية وطاف معظم
الولايات لحثهم على التعليم كي يصبحوا جزءاً من المجتمع المضيف واستجاب
لصوته المئات ممن التحقوا بالتعليم الجامعي وتركوا مهنة البيع في السوق.
يشعرني ذلك براحة لا توصف أن يصبح أبناء بلدي خريجي أعرق الجامعات العالمية.
ويضيف أحس بالفخر كلما حصل أحدهم على درجة علمية مثلاً منذ أيام حاز شاكر
الأشول وهو واحد من أهم شباب اليمن الناشطين في الولايات المتحدة على درجة
الدكتوراه وأضاف إلينا نموذجاً جيداً لليمن المغترب المحب للتعليم وهو إلى
جانب أخيه الدكتور هلال الاشول يشكلان صورة جميلة لليمن تخبر العالم أن هذه
البلاد تنتج شباباً جيدين يحلمون ويسعون لتحقيق أحلامهم وسط الزحام
الأمريكي.
لم تقدر المسافات الطويلة أن تفصله عن وطنه وعاد منذ سنوات مرفقاً بمئات
العناوين الحديثة ليزود بها كلية طب جامعة صنعاء والجامعات اليمنية الأخرى
وتعد من أهم المراجع خلال السنوات الأخيرة وهناك ظل زاوية يتقدم حتى تم
تعيينه منذ عامين عميداً للدراسات العليا في جامعة رود ايلاند وأحد راسمي
سياسة التعليم في الجامعة يقول: (هذه التجربة جعلتني أعرف أكثر عن الطريقة
الإدارية التي تتبعها الجامعات الأمريكية وهي طريقة جديرة بالاهتمام لأي
بلد يريد أن يتطور علمياً).
وقبل أيام كان الدكتور ناصر زاوية والدكتور هلال الأشول يشكلان فريقاً
للمساهمة في الإعداد لخطة تطوير التعليم العالي في جامعة جازان السعودية
وانتهزها زاوية فرصة لزيارة بلده وقدم في لقاء سريع مع وزير التعليم العالي
رؤيته لتطوير التعاون مع الجامعة التي يعمل فيها وتسهيل التحاق اليمنيين
للدراسة هناك.