عبدالله البردوني
أقـولُ مـاذا يا ضُحَى يا غُرُوب؟
في القلبِ شَوْقٌ غيرُ ما في القُلُوب
في القلب غيرُ البُغْضِ، غيرُ الهوى
فـكيف أحـكِي يا ضجيجَ الدروب
ويــا ثـيـاباً مـاشـياتٍ عـلى
مَـشَـاجِبٍ تَـفتَرُّ فـيها الـنُّدوب
ويا رصيفاً يحفرُ الصبرُ في لَوْحَيْهِ
تـواريـخَ الأســى والـشُّحوب
ويـا قُـصُوراً يـرتديها الـخَنَى
وتـرتدي وجـهَ الـنبيِّ الـكذوب
ويــا جُـذوعـاً لا يُـنادي بـها
إلاّ ثُـقُـوبٌ طَـالـباتٍ ثُـقُـوب
يـا بـاعةَ الـتجميلِ هذي الحُلَى
تَـهْدِي إلـى مـا تحتِها من عُيوب
أقـولُ مـاذا يـا نَـسِيمَ الـصَّبَا
أقـولُ مـاذا يـا ريـاحَ الجَنوب
الـحرفُ يَـحسو قَـيئَهُ فـي فَمِي
والصمتُ أقسى من حسابِ الذُّنوب
وهــذه الأحــلامُ تُـغْوِي كـما
تُـراوغُ الأعـمى عـجوزٌ لَعُوب
فـعَـلِّمِيني الـحَرْقَ يـا كَـهْرُبَا
أو عَـلِّمِيني يـا ريـاحَ الـهُبوب
أو مُـدَّ لـي يـا بَـرْقُ أفقاً سوى
هـذا وبـحراً غير ذاك الغَضُوب
أو حـاولي يـا سُـحْبُ أن تُطفئي
قـلبي عَـسَى عَـنْ قلبِهِ أنْ يَتُوب
مـن أغـسقَ الأيـامَ يـا ريحُ هل
تـدري الـثريا أيَّ مَسْرَىً تَجُوب
كُــلُّ الـمَـدَى أيْــدٍ ذُبـابـيةٌ
صـفـائحٌ مَـكْـسُوَّةٌ بـالقُطُوب
حـوائـطٌ تَـغدو وتَـسري كـما
تـأتي عـلى ريحِ الجفافِ السُّهوب
وقُــبُّـراتٌ حُــوَّمٌ تَـجـتبي
سـنابلاً يَـحْوِينَ غـيرَ الـحُبوب
يـا كُـلَّ مِـنْقارٍ تَـنَاسى الطَّوى
لا تُـزْعجِ القَحْطَ الأَكُولَ الشَّروب
أقـول ماذا علّ قلبَ الثرى أظمى
إلـى غـيرِ الـسحابِ الـسَّكوب
هل في الربى يا شمسُ غيرُ الربى
هـل لـلكُوَى معنىً خَبِيءُ الجيوب
والـسفحُ هـل فـيهِ سـواهُ وهل
في الورد غير اللون غير الطيوب
والـشمسُ هـل فـي طَيِّها غيرُها
سـترحلُ الأولـى وأخرى تَؤوب
يا شمسُ هل يدري الدُّجى والضُّحَى
مَـنْ عـلَّمَ الـمنشودَ فَنَّ الهروب
كـــلٌّ لــهُ مـأسـاتُهُ لا أرى
فَـرْقَاً ولـكنَّ الـمآسي ضُـرُوب
هـل يَـسْمعِ الإسـفلتُ أوجـاعَهُ
أو هـل يَـرَى سِرَّ الزحامِ الدؤوب
وهل يحس المُرْسِدِيس الذي يُزْجِي
لأَضْـنَى الـلحم أقـوى الـنيوب
هــل لـلمواني أمـنياتٌ تَـرَى
تـلك الـوجوه الـباديات اللغوب
هـل تـنطوي الشطآن تسعى إلى
مـراكبِ الـعانين وقـتَ الركوب
لـكـلِّ طَــافٍ بَـاطِنٌ رَاسِـبٌ
سـيرسب الطافي ويطفو الرسوب
يــا كُــلَّ آتٍ مـا أَتَـى مَـرّةً
خُـذْني وأرضِـعني جديدَ الوثوب
وأحـفـرْ طـريقاً مـا رآه الـذي
عـن كُـلِّ مَـدْعُوٍّ وداعٍ يَـنوب
فـي الـقلبِ شـيءٌ مـا لهُ سابقٌ
وفـيهِ أخـفى مـن نوايا الغيوب
فـيه أمـانٍ غـيرُ كُـلّ ا لـمُنَى
فـيه شُـعُوبٌ غير هذي الشُّعُوب
لِـمْ لاَ يـذوب الـقلبُ مـما بـهِ
كـم ذابَ لـكنْ فـيه ما لا يَذُوب
رَصَـاصَـةٌ تُـعْـنَى بـإسـكاتِهِ
مـا أسـكتتْ ما فيه حَتَّى الحُروب
يَـهْـتَـزُّ لـلـنيرانِ تَـجْـتاحه
مُــرَدِّداً : كُـلَّ كَـريمٍ طَـرُوب