حظيرة الشعوب الداجنة

بسم الله الرحمن الرحيم

كم
أنت جميل أيها الكتكوت الصغير المسالم .. جاءوا بك أيها المسكين إلى هنا
.. و وضعوك في هذا المبنى الكبير .. لقد وفروا لك كل شيء .. وفروا لك فرشة
مريحة من التبن و القش تقف عليها و تنام .. وفروا لك علف جيد لتغذيتك في
أوقات معينة من اليوم .. صنعوا لك مساقي و أمدوك بماء نظيف .. امدوك بإضاءة
و تهوية و تدفئة ... و أعطوك الأدوية لتحصينك من الأمراض ... لقد خرجت من
بيضتك أيها الكتكوت الصغير و أنت لا ترى إلا هذا العالم المحيط بك ... الذي
تظنه كل الكون بالنسبة لك ... لا تعلم أنه بإمكانك أن تنطلق خارجاً عن هذه
الحدود الضيقة لعالم أكثر اتساعاً ... لا تعلم أنه بإمكانك أن تمرح و تجري
و تلعب وسط المروج الخضراء و مع كائنات أخرى صغيرة مثلك ... أنت هنا لا
تعرف إلا العلف الذي يمدك به الرجل القوي صاحب الحظيرة و العاملون عنده و
الذي تنتظره بشغف ... لا تعرف إلا هذه المساقي التي يجري فيها خيط ضيق من
الماء و لا تعرف أن في الخارج أنهاراً تجري ... و حين يستوي عودك بعض الشيء
تضيف إلى ما تعرف الشهوة التي تفضي إلى إنتاج البيض! ... ثم في لحظة معينة
تراهم يأخذوا أفراداً من القطيع الذي تنتمي إليه ... و أنت تحسب أيها
المسكين أنهم قد تم اصطفاؤهم لنزهة أو ترقية أو شيء من هذا ... و لكنك لا
تعلم أنهم يقتادوهم إلى الذبح ... فقد انتهت دورة إنتاجهم و حانت لحظة قطع
رقابهم ... كذلك كما كنت تظن أنهم بما يوفروه لك و يمدوك به إنما يفعلوه
حباً و تدليلاً لك ... إنما هم يفعلوا هذا ليحصلوا منك على أقصى قدر يمكن
تحصيله من بيضك أو لحمك

هل تعلم أيها الكتكوت الصغير أني أغبطك ... نعم و أحسدك كذلك ... فالسادة
أصحاب حظيرتك يدللونك فعلاً و لا يحرموك من ما تشتهي ... حتى إذا أكلوا
لحمك و بيضك و مصوا عظامك لا يلومون أنفسهم أنهم أهملوك أو فرطوا في حق من
حقوقك المشروعة ... أما نحن في حظيرتنا ... حظيرة الشعوب الداجنة تُمص
عظامنا و دمائنا و تسلخ جلودنا و تؤكل لحومنا حتى بدون أن يطعمونا أو
يسقونا قطرة من ماء! ... عندك أيها الكتكوت الصغير يسمح لك بالصياح و الصخب
... أما عندنا فلا صياح مباح ! ... أنت أيها الكتكوت الصغير لا تقرأ و لا
تكتب و لا تعلم معنى الحرية و لا تعرف معنى الكرامة ... أنت لا تعرف إلا
الرجل القوي الذي يمتلك الحظيرة و معاونيه ... فلا يمكن أن ألومك اذاً
لجهلك ... أما نحن فنضع رقابنا تحت أقدام أقويائنا بإرادتنا و رغبتنا رغم
أننا قرأنا شيئاً عن الحرية و العزة و الكرامة ... لقد أصبحنا مثلك أيها
الكتكوت الصغير أو أقل رتبة منك بعض الشيء ... لا تشغلنا قضية دين أو وطن
أو أخوة لنا ظلموا و اغتُصبوا أو ذبحوا ... لا تشغلنا كثيراً أراضينا
المسلوبة و أموالنا المنهوبة و إرادتنا المشطوبة ... لا يشغلنا كثيراً أن
نرتقي و نرتفع و ننتج و نعلوا و ننشر الخير لمن لم يصل إليه بعد ... لقد
عشنا مثلك أيها الكتكوت الصغير في حظيرتنا نغلق أبوابها علينا برغبتنا و
نمجد صاحبها رغم أننا نعلم أن بالخارج الفسحة و السعة و الرحابة و هذا فرق
كبير بيننا و بينك أنك لا تعلم ماذا في الخارج و نحن نعلم! ... لقد أصبحنا
كسالى مطايا نستوحش الدنيا اذا لم نُذل فيها و نضرب فيها على أقفيتنا ...
لا نريد إلا القوي الظلوم الغشوم المستبد ... نعظمه و نبجله و نوقره و
نجعله طاغوتا في انتظار أن يقصف بمقصلته رقابنا ... ما دمنا في ظل قيادته
الرشيدة الميمونة سنأكل و نشرب و نرضي شهواتنا القاصرة ... ما دم كل واحد
فيها سيضمن أن يحصل على أقل القليل من المال نظير القليل من العمل أو اللا
عمل أصلاً أو حتى الكثير منه ... مادمنا لن نضطر في ظل قيادته أن نواجه
عدواً لم يبرح من مكانه يسن سيوفه منتظراً أن ننازله و نحن نرقد في وهم
الحياة الوردية الآمنة المطمئنة ... لقد صرنا كتاكيت مثلك أيها الكتكوت
الصغير غير أنه ليس بيننا ديوك تصيح! ... لقد سلمنا رؤوسنا و عقولنا و
قلوبنا إلى فخامته ... يحشوها هو و سحرته بما يريد من كل حقارة و خسة و
نذاله ... و أصبحت عقولنا مجرد شريط ممغنط تسجل عليه كل ما يحلوا لمعاليه
... لقد أستخف بنا فأطعناه كالعميان رغم أن لنا أبصار و بصائر ... تطربنا
رقصة ... تحزننا حلقة مسلسلة ... تسعدنا شباكاً تحتضن كرة ... و لكن لا
تحركنا رقاباً تُقطع و أشلاءاً تتناثر و امرأة تنعي عفتها المسلوبة ...
ليتنا بحق كنا كتاكيت مثلك ... على الأقل لن تتحسر قلوبنا يوماً بعد يوم مع
كل مشهد من مشاهد مآسينا.

أيتها الشعوب الداجنة الطيبة المستكينة ... هنيئاً لكي ما اخترتي من خيارتك
التعيسة ... هنيئاً لكي هذه الدنيا التي ارتضيتيها لنفسك ... رغم أن
الخيارات الحاسمة كثيرة أقلها قول كلمة الحق و التواصي به ... غير أن هذا
الخيار عسير عليكي لست مؤهلة له اليوم على حسب علمي ... شعوبنا الداجة في
ختام كلامي أحب أن أقول لكم كو كو كو كو يا شعوبنا الداجنة.

الموضوع الأصلي : حظيرة الشعوب الداجنة المصدر : منتديات آل سيدم - عمار اليمن

شجاع سيدم ; توقيع العضو